في العديد من الثقافات الدينية والرؤي الأيديولوجية هناك فكرتان مركزيتان، فكرة المهدي المنتظر الذي سيرتحل من الزمن الماضي للزمن الآتي ليملأ الدنيا عدلاً وينصر الطائفة المستضعفة التي تنتظره، ويتشابه مع ذلك انتظار القائد الكاريزمي الذي يأخذ بتلابيب الجماهير نحو النهضة بشخصيته القوية ورؤيته الواضحة وعقله الفذ.أما الفكرة الثانية فهي فكرة اليوتوبيا، أي الحلم الذي سيتحقق بأن يكون الواقع علي ما نتمني، سيادة لدين أو مذهب أو فلسفة، وربما استعادة للزمن الأول الأنقي والعصر الذهبي.

تأملت في الصحوة التي أحدثتها عودة الدكتور البرادعي، كلما لاقيت أحد الأصدقاء قال لي هل ستذهبين لاستقبال البرادعي؟ وحماس غير مسبوق من الشباب النشطاء، ورسائل علي البريد الإلكتروني.

والحق أن مصر في أمس الحاجة لبديل رئاسي خلاف مبارك الأب وابنه جمال، وصحيح أن بعض القيادات الحزبية بدأت حملة لتقديم نفسها للترشيح في الانتخابات القادمة، لكن للبرادعي مذاقًا خاصًا، مذاق القادم من بعيد، العائد بعد غيبة كالإمام الغائب، الخارج من سرداب المنظمات الدولية لساحة المعركة الوطنية القادمة من أجل التغيير والذي يتمني من ذهبوا لانتظاره ومن رحبو بقراره أن يكون بديلاً يرفع سقف الممكن وربما يحقق المستحيل، ويثري الساحة بكل الوجوه البديلة علي أية حال.

جلست أتأمل في فكرة الانتظار التي أدمنها المصريون، انتظرنا من يُغير وجه الواقع فلما جاء محمد علي بايعناه، ولم أفهم أبدًا لماذا لم ننجب نحن محمد حسين أو محمد عبد الكريم أو ألف محمد يحكم مصر غير القادم من ضفاف أخري، رغم ما أسهم به في نهضة مصر المعاصرة.

المهدي المنتظر قيادة منشودة تضم الصفوف وتعبئ الموارد، لكن القائد يحتاج جنودًا، فهل نحن جنود أي مهدي منتظر؟ أو قيادة مأمولة؟

ما الذي يمكن أن يفعله حتي الأنبياء إذا لم يكن لهم أتباع، ويروي الحديث النبوي أنه يأتي يوم القيامة كل نبي ومعه أتباعه، منهم من يأتي ومعه جموع غفيرة، ومنهم من يأتي ومعه نفر قليل، ومنهم من يأتي وليس معه أحد. نعم، ليس معه أحد، كان صوت الحق ورجل اللحظة لكن لم يتبعه أحد.

مصر اليوم في حالة مزرية، كل بنيان الدولة أكله الفساد، عجزت السلطة عن توفير الحد الأدني من الحياة الإنسانية الكرمية للغالبية، وتعيش نخبتها في ظل حراسة وخلف أسوار، تأكل من رأس المال الأصلي الذي يوشك أن ينفد لأنها لم يكن لديها العقل الكافي لكي تكتفي في فسادها بحلب البقرة بل ذبحتها وشوتها ووزعت الوليمة علي البعيد وعلي العدو.

نعم مصر في حاجة لقيادة، لكن الأهم أنها في حاجة إلي استعادة الشعب، مولد شعب بروح جديدة تحل محل هذا اليأس، شعب يستشعر مسئولية اللحظة التاريخية وتعلو همته ليظل كل واحد في موقعه، لكن فقط يبذل أكثر ويلتزم بشكل أكثر جدية بفكرة الوطن ويسعي بضعف الجهد من أجل بناء وطن هدمته عاصفة اسمها الاستبداد والفساد.

لو أتي ألف مهدي منتظر ولم يجد جنوده سيخسر معركته لا محالة، بل سيقتله من يريد أن يخرجهم من الظلمات إلي النور كما قتل بنو إسرائيل أنبياءهم، وما اهتمام القصص القرآني بسيرة ومسيرة بني إسرائيل (التي كتب فيها شيخ الأزهر الذي صافح بيريز وقال إن الجدار العازل حلال زلال رسالته ونشرها) - ما اهتمام القرآن بهذه القصص إلا كي نتعظ ولا نكون كالذين قالوا لنبيهم اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون!

جميل أن نحلم بقيادة تتسم بالنزاهة وتنظم صفوف المعارضة وتلتف حولها الجماهير، لكن الأهم أن نبث تغييراً في تلك الجماهير لتعين تلك القيادة وتكون نصيرها في أوقات الأزمة القادمة وجنودها في معركة التغيير الحاسمة.

العصر الذهبي الذي نستعيد فيه نهضتنا وكرامتنا وتعود مصر فيه لقيادة وريادة لن يصنعه القادم من أرض العلم فحسب، كما وضعنا آمالنا علي أحمد زويل، بل لا بد من نهضة كل علماء هذا الوطن ليكون زويل رمزاً لجماعة علمية هي صانعة النهضة، ولن يكون الفارس القادم من خلف الغيوم بل الجيش الذي سيخوض النضالات ويدفع الثمن.

نهضتنا نصنعها أنا وأنت ونحن وجميعنا، نحن الفجر الآتي، ويوم نتأهل لتلك اللحظة الفارقة، سيأتي النصر، بقيادة منتظر، أو مولد قائد من بين الصفوف يتقدم.. لنتقدم.

 الموضوع الأصلي : د . هبة رءوف عزت تكتب: المهدي المنتظر.. واليوتوبيا  المصدر : مُنتَدَيَاتْ صُـوتــْ بَــلَــدْنََــا

______________________________________________________